ليس هناك من ينكر أهمية القصة في حياة الطفل، وقد أكدت الكثير من الدراسات التربوية والسيكولوجية أهمية القصة بالنسبة للأطفال من حيث كونها أهم الأساليب التربوية المؤثرة والفعالة في تربية الطفل وتوجيهه لما لها من قوة تأثير على متلقيها سلباً أو إيجاباً ذلك حسب نوعها والهدف منها، كما لم يختلف رأيان حول دور القصة في توجيه السلوك لدى الطفل وغرس المبادئ الجيدة فيه، وزرع الفضائل كما أنَّ لها الدور الكبير في تنمية اللغة وتهذيبها وتقوية الخيال في ذهن الأطفال فضلاً عن تأثيرها في إدخال البهجة؛ والسرور في نفوس الأطفال·
أخصائية رياض الأطفال الدكتورة وفاء سلامة تعرف قصص الأطفال بأنها عمل فني يمنح الطفل الشعور بالمتعة والبهجة لما تمتلكه من مميزات كالقدرة على تشويق الطفل وجذبه للاستماع والتأمل والتفكير، إضافة إلى إثارة خياله والإبحار به في عالمه المميز الحافل بالخيال''·
وتوضح الدكتورة سلامة أهمية القصة بالنسبة للطفل قائلة: ''إنها مصدر إمتاع وتسلية للطفل، وكذلك تعتبر مدخلاً لتنمية القيم الدينية وترسيخها لديه وتعزيز قيم الاعتزاز بالوطن وبالتراث والتاريخ واكتساب المعلومات الخاصة به إضافة إلى تنمية المفاهيم العلمية والرياضية والاجتماعية وإثراء الحصيلة اللغوية لدى الطفل وتزويده بمفردات وتراكيب لغوية جديدة، كما تنمي القصة مهارة الاستماع والإنصات لدى الطفل وكذلك تنمي الميول القرائية لديه وتكسبه القدرة على النقد والتحليل والتقويم من خلال إبداء الرأي في شخصيات القصة وتحليلها وتقويمها، أضف إلى ذلك أن القصة تساعد الطفل على فهم السلوك الإنساني وتعزيز الاتجاهات الإيجابية نحو القيم الإنسانية الأصيلة كما وتثير خيال الطفل وتثري فكره وتعزز لديه حب الاستطلاع، وأخيراً تعتبر مصدراً هاماً لتعزيز شعور الطفل بالطمأنينة والأمان وإضفاء جو عائلي مليء بالألفة والمحبة بين المعلمة والطفل وهذا الجو شبيه بالجو الذي يشعر به الطفل مع أمه وهي تسرد له قصة·''
وتشير الدكتورة سلامة إلى المرحلة التي تبدأ فيها الأم سرد القصة على طفلها بعد أن بينت أن الدراسات العلمية أثبتت أن الطفل الذي تسرد له أمه قصة وهو في رحمها يكون لديه استعداد لاكتساب ونمو لغوي أفضل من الطفل الذي تسرد له أمه القصة في مرحلة متأخرة أي بعد ظهوره للحياة ووصوله لعمر ثلاث سنوات وأكثر كما تفعل كثير من الأمهات في مجتمعاتنا، وتستشهد سلامة بالدراسة التي قدمتها الكاتبة الفرنسية ''رولاند كوس'' والتي تحدثت فيها عن أن الرضيع لا يختلف عن الكبير في علاقته بالكتاب، حيث إنها لاحظت عبر دراسات ميدانية أن الطفل يستطيع بناء صلة فذة مع الكتاب من المهد، وكأن الحديث الشريف ''اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد'' ليس مجازاً على الإطلاق، فليس للقراءة وطلب العلم عمر معين، فقد يقرأ الطفل وهو في الحضانة، أي بإمكانه أن يقرأ حتى قبل أن يفك الحرف، فالكلمات تتحول في أذن الرضيع وهو في حضن أمه إلى ما يشبه الهزازة والانغام وهذا ما عرضته الكاتبة كوس في ثنايا كتابها ''من يقرأ صغيرا·· يقرأ طوال حياته'' الصادر أخيرا عن دار ''البان ميشال '' في فرنسا·
ومن جانب آخر، تقول الدكتورة سلامة :'' يجب على كل أم أن تبادر بعمل حوار لغوي مع طفلها منذ ولادته لتنقذه من خطر الوقوع في مشكلة النمو اللغوي لاحقا ولا تؤجل ذلك الحوار اللغوي والقصصي لعمر سنتين وثلاث فسيفوت الطفل الكثير، بل إن ذلك سيساعدها على إنشاء علاقة وجدانية حميمية تحقق له التوازن النفسي والعاطفي منذ طفولته''·
وتؤكد الدكتورة سلامة على أن القصص التي يحتاجها الأطفال تختلف نوعيتها حسب المرحلة العمرية التي يمرون بها، فهناك القصص الاجتماعية والخيالية وقصص البطولات والمغامرات والألغاز والقصص الواقعية وغيرها من القصص·
وتعتقد الدكتورة سلامة أن هناك نهضة كبيرة في الوطن العربي لتعزيز أهمية القراءة بحثاً عن إيجاد أجيال تهتم بالكتب وتجتهد في قراءتها وأن الخطوة الأساسية والبذرة الأولى في تحقيق ذلك توثيق علاقة الطفل بالقصص منذ الطفولة وهذه مسؤولية الأم في البيت والتي تكملها المعلمة في المدرسة، فالدور هنا تكاملي بحت فلابد أن تخصص الأم فترات يومية لطفلها تقرأ له قصة مصحوبة بالصور التي تشير إليها أثناء القراءة حتى لو كان الطفل في مرحلة لم يتعلم القراءة بعد فهذه خطوات تمهيدية لإعداده للقراءة في وقت لاحق''·
ولا تنكر الدكتورة سلامة جودة بعض القصص المطروحة في الأسواق وتقول: ''هناك اجتهادات واضحة على مستوى دور النشر والمكتبات العربية لتغذية الأسواق بالقصص الجيدة والمناسبة، لكن يجب أن نحسن الاختيار نحن كأمهات ومعلمات فلكل مجتمع خصوصيته وثقافته وعاداته وتقاليده، ولابد أن تلعب القصة دوراً بارزاً في محاكاة ذلك كله وتعزيزه لدى الطفل، وهنا أتمنى من المكتبات العربية أن تركز على القصص التي ستشبع الطفل بالقيم والمبادئ والعادات الخاصة بمجتمعه على وجه التحديد، بالإضافة إلى القصص التي تناسب جميع الأطفال على اختلاف منشئهم وأصولهم ولغاتهم''·
أبعاد سيكولوجية
كما أشار الموجه التربوي سيف المطوع إلى دور القصة في حياة الطفل ويقول : ''القصة تجعل الطفل يعيش خيالا متنقلا من بيئة لأخرى فأنت مثلا تروي له قصة وتقول ''خرج محمد إلى المزرعة·· ثم إلى البحر·· ثم إلى الجبل··''، كما وتختلف القصة التي يحتاجها الطفل حسب الفئة العمرية والجنس وإن كان اختلافها حسب العمر أكثر أما من حيث الجنس، فالقصص التي تحبها الإناث تختلف عن القصص التي يحبها الذكور، فالإناث يملن إلى القصص العاطفية والرومانسية التي تنسجم مع الطبيعة لديهن أما الذكور فيميلون لقصص المغامرات والبطولات''·
ويضيف المطوع :'' دائما ما تنصح الأمهات بأن يقرأن القصص لأطفالهن كمن يقدم له هدية صوتية مغلفة بالحنان هذا يعني أن الطفل لا يحب القصة ذاتها بقدر ما يحب قراءة أمه له واقترابها منه واحتضانها ومداعبتها إياه أثناء قراءتها له ويجب على كل أم أن لا تمل أو تيأس من جذب طفلها للقصة، بل عليها أن تعيدها مرارا وتكرارا وبأساليب متنوعة وتختار الوقت المناسب لذلك، فلا تجبر الطفل على الاستماع لقصة في وقت هو يريد فيه اللعب بلعبة معينة، ويحبذ من الأم أثناء قراءتها للقصص التي تعلم القيم وتنهى عن السلوكيات السلبية وتعلم السلوكيات الإيجابية يحبذ أن تخرج الأم عن سياق القصة وتضرب مثالا من الواقع وإن أردنا أن نقدم الوعظ للطفل من خلال القصة فعلينا أن لا نخوف الطفل بل نتدرج معه وننوع في الأساليب والوسائل''·
التعلم بالقصة
تذهب موجهة الإدارة المدرسية كنه الناصري إلى أن التعلم بالقصة قبل أن يكون مكتسبا من الغرب فإنه موجود في ديننا الإسلامي وتراثنا الأصيل فالرسول عليه الصلاة والسلام علم الصحابة بالقصة والدليل القصص القرآني وكم كان تأثيرها على الرجال كبيراً فكيف على الصغار ؟! كما اعتدنا على قصص الجدات التي كنا نتشوق لسماعها منذ قديم الزمان حتى يومنا هذا وهذا من أحد فوائد الأسرة الممتدة التي يزرع فيها الجد والجدة عبر القصص التي يروونها قيما تربط الصغار بتراثهم وماضيهم العريق·
وتشدد الناصري على ضرورة اتباع المعلمين والمعلمات لأسلوب القصة في تقديم مواد المناهج الدراسية على اختلافها لأن الطلبة عندما يتلقون المعلومة على شكل قصة ترسخ في أذهانهم فلا ينسونها ولا يملون من زخم المنهاج·
وتنبه الناصري إلى الخطورة التي تمتلكها بعض القصص الخيالية على الأطفال الذين لا يملكون القدرة على التمييز بين الواقع والخيال فيعمدون إلى تقليدها والعيش في أجواء الوهم الموجود في القصة، وهنا لا بد من الانتباه للقصة التي نقرأها أو يقرأها الطفل بنفسه بأن يكون الخيال فيها معقولاً وإيجابياً، فنحن نريد من الطفل أن ينمي خياله وتأملاته دون أن يغرق نفسه في عالم آخر اتحد معه عبر القصة ولا يدري أنه يختلف عن الواقع الذي يعيش فيه·
المصدر: جريدة الاتحاد
Comments